التفشّي السريع لفايروس كورونا أحدث فوضى في الأوساط الطبية الصينية التي تحاول الحد من انتشاره، فبالإضافة إلى التجارب المخبرية، لجأ الصينيون إلى الطب التقليدي المعروف بتاريخه في مقاومة الأوبئة، لمقاومة الفايروس خاصة في المراحل الأولى من ظهور أعراضه.
بكين- شن الأطباء الصينيون حربا شرسة على فايروس كورونا المستجد، الذي تفشّى انطلاقا من مدينة ووهان في ديسمبر الماضي، ولم تغِب بعض الوسائل التقليدية في العلاج، خاصة في ظل عدم التوصل للقاح فعّال يقضي على المرض الغامض.
ولجأ بعض المرضى إلى تناول الأدوية كما فعلت السيدة بينغ (64 سنة)، التي قالت “عندما تمكّن مني المرض بشكل خطير، كان من الصعب عليّ أن أتنفس بشكل طبيعي، لكني بدأت أشعر بتحسن أعراض ضيق الصدر والتجشؤ والسعال بعدما تناولت العقاقير الصينية التقليدية بضع مرات”.
وتم نقل السيدة بينغ إلى جناح وحدة العناية المركزة في مستشفى ديتان في بكين، في 20 يناير الماضي، ومن ثم بدأت تلقي العلاج بأسلوب الطب الصيني التقليدي، بمساعدة من بعض تدابير الطب الغربي المتمثلة في تناول المضادات الحيوية وعلاج استنشاق الأكسجين وغير ذلك، ما أسهم كثيرا في تحسن أعراضها بشكل ملحوظ، ودفع الأطباء إلى نقلها إلى الجناح العام بسلام في 6 فبراير الجاري.
وقال وانغ شيان بوه، اختصاصي في مستشفى بكين ديتان لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، إن الطب الصيني التقليدي أثبت فعاليته في الحد من أعراض الحمى والسعال والإرهاق في الحالات الخفيفة، فضلا عن فعاليته الكبيرة في تحسين بعض الحالات الشديدة عند استخدامه مع الأدوية الغربية.
وأضاف، “منذ قبول أول حالة مصابة بـ”كوفيد- 19” في مستشفانا، فإن المهنيين الطبيين من قسم الطب الصيني التقليدي قد شاركوا في عملية العلاج”.
تاريخ في حرب الأوبئة
الطب الصيني التقليدي مجموعة من القواعد الطبية المتوارثة منذ آلاف السنين، تعتمد على فكرة وجود طاقة للجسم تتحرك داخله من خلال مستويات مختلفة.
أكد تشونغ نان شان، الأخصائي الصيني الشهير في طب الجهاز التنفسي، على دور الطب الصيني التقليدي في مكافحة فايروس كورونا الجديد “كوفيد- 19”.
وقال تشونغ، إن الوصفة الطبية العشبية المسماة “الالتهاب الرئوي رقم 1” والتي تم تطبيقها في يوم 23 يناير الماضي، أثبتت نجاعتها في علاج مرضى “كوفيد- 19” في مقاطعة غوانغدونغ جنوبي الصين.
وفي مستشفى ميانيانغ للطب الصيني التقليدي بمقاطعة سيتشوان بجنوب غربي الصين، تم تطبيق الطب الصيني التقليدي على 18 عاملا طبيا كانوا على اتصال وثيق مع مريض مصاب بمرض “كوفيد- 19”، ما أدى إلى عدم وجود أي عدوى بينهم خلال فترة العزل.
ومنذ تفشي فايروس كورونا المستجدّ، سلّطت السلطات المركزية الصينية في العديد من المناسبات الضوء على أهمية تطبيق الطب الصيني التقليدي جنبا إلى جنب مع الطب الغربي في علاج المرضى.
ووفقا لمصلحة الصين للطب الصيني التقليدي، تضم جميع فرق الخبراء الطبيين متخصّصين في الطب الصيني التقليدي، حيث قامت معظم المقاطعات بوضع خطط علاجية للطب الصيني التقليدي لمعالجة هذا المرض.
وبحسب تشونغ، فإن الباحثين يواصلون حاليا اختبار أدوية الطب الصيني التقليدي التي يجري استخدامها على نطاق واسع بالفعل، مثل “ليوشنوان” و”ليانهواتشينغون”، لاكتشاف ما إذا كان بإمكانها قتل الفايروس وتقليل وصوله إلى الخلية وتقليل فرص حدوث عاصفة السيتوكين، التي تشير إلى الالتهاب الشامل الذي قد يؤدي إلى الوفاة.
وأوضح أن هذه الاختبارات قد تقدم بعض الدلائل على تطبيق الطب الصيني التقليدي خلال المراحل المبكرة والمتوسطة من كوفيد- 19.
الطب التقليدي مجموعة من القواعد المتوارثة، تعتمد على فكرة وجود طاقة للجسم تتحرك من خلال مستويات مختلفة
وقال يانغ تسي فنغ، الأستاذ بمعهد قوانغتشو للصحة التنفسية وعضو فريق تشونغ، إنه من خلال التجارب المعملية على 54 دواء للطب الصيني التقليدي موجودة بالأسواق، وجد الباحثون أن خمسة منها يمكنها على نحو فعال منع الإصابة بفايروس كورونا.
وأضاف، أنه “مع إشارتها إلى تأثيرات أدوية الطب الصيني التقليدي في مكافحة الفايروسات والالتهابات، فإن التجارب أعطت بعض الأمل لعلاج العدوى بفايروس كورونا المستجد، لكن ثمة حاجة إلى المزيد من التجارب لاختبار تأثيرها السريري”.
ولم يغب الطب الصيني التقليدي مطلقا عن أي معركة ضد الأوبئة على مر التاريخ الصيني. وقد عرضت كلاسيكيات الطب الصيني التقليدي أدلة كافية بشأن كيفية قيام الطب الصيني التقليدي بعلاج الأمراض الوبائية، مثل الجدري، على مر آلاف السنين.
وقد أدرجت اللجنة الوطنية للصحة فصلا مخصصا يفصل العلاج بالطب الصيني التقليدي خلال فترة الملاحظة الطبية للأشخاص وخلال فترة العلاج السريري للمريض وأثناء فترة التعافي، وذلك في أخر نسخة من الخطة التشخيصية والعلاجية لكوفيد- 19.
وأظهرت نتائج العلاج المُتبعة مع المُصابين بالفايروس، أن طب الصين التقليدي ساهم في تحسين حالة المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض خفيفة، كما قال وانغ شيان بو، مدير مركز تجميع وتكامل الطب الصيني والطب الغربي في مستشفى ديتان المتخصص في علاج الأمراض المعدية في الصين.
ووفقا لنتائج بيانات أصدرتها مصلحة دولة الصين لإدارة الطب والصيدلة التقليدية الصينية، فقد شارك الطب الصيني التقليدي في علاج أكثر من 85.2 في المئة من إجمالي المرضى المصابين بكوفيد – 19 حتى 17 فبراير، وأكثر من 90 في المئة في بعض المناطق
الجمع بين الطبين
أكدت الحكومة الصينية في بداية المعركة لمواجهة فايروس كورونا الجديد على أهمية الالتزام بتطبيق أساليب علاج متكاملة بين الطب الصيني والطب الغربي.
ونفّذت المناطق المختلفة في أنحاء البلاد هذه السياسة وعملت على تحقيق مشاركة شاملة للطب الصيني التقليدي في الوقت المناسب في عمليات التشخيص والعلاج السريري.
وبفضل الجمع بين الطبّين، لم تنجح المستشفيات المعنية بشكل فعال في الحد من تدهور حالات المرض الخفيف لتصبح حالات خطيرة فقط، بل تمكنت أيضا من انتشال الكثير من المرضى المصابين بحالات خطيرة إلى مرحلة المرض الخفيف، وتحسين معدلات الشفاء.
وفي بعض المناطق، يتم استخدام العقاقير الصينية التقليدية أيضا في مجال الوقاية، في سبيل تحقيق هدف تجنب العدوى العابرة بين العامة.
وظهرت بدايات الطب الصيني التقليدي في المجتمع البدائي، وخلال عصر تشوان تسيو والممالك المتحاربة (770 قبل الميلاد – 221 قبل الميلاد)، تشكلت نظرية الطب الصيني التقليدي بشكل أساسي، وكان لها تأثير بعيد المدى على دول الدائرة الثقافية الصينية التقليدية، فعلى سبيل المثال، تم تطوير الطب الياباني الصيني التقليدي، والطب الكوري التقليدي، والطب الفيتنامي الشرقي على أساس الطب الصيني التقليدي.
ودائما ما يعتمد الطب الصيني التقليدي على نظرية “يين” و”يانغ” في تشخيص الأمراض، ويستخدم أساليب العلاج التقليدية المتمثلة في الوخز بالإبر، والتدليك، والحجامة، والعقاقير الطبيعية، والعلاج الغذائي وغيرها من العلاجات لتمكين الجسم البشري من تحقيق التوازن بين “يين” و”يانغ” في داخله وخارجه، ومن ثم التعافي من الأمراض.
عرضت كلاسيكيات الطب الصيني التقليدي أدلة كافية بشأن كيفية قيام الطب الصيني التقليدي بعلاج الأمراض الوبائية، مثل الجدري، على مر آلاف السنين
وأدرجت منظمة الصحة العالمية الطب الصيني لأول مرة في مخططها الطبي العالمي في الأول من أكتوبر 2018. وفي هذا السياق، قال وانغ شيان بو، “حرصنا منذ استقبال المستشفى أول مريض مصاب بـ”كوفيد- 19”، على تطبيق سياسة مشاركة أطباء الطب الصيني التقليدي في عمليات العلاج”.
وأشار إلى أن نتائج العلاج كشفت أن الطب الصيني ساهم في تخفيف الحرارة، وتخفيف السعال، وتحسين المستوى الصحي للمرضى الذين يعانون من المرض بشكل خفيف بصورة ملحوظة.
أما بالنسبة للمرضى من ذوي الحالات الخطيرة والحرجة، فتم تنفيذ نظام فحص مزدوج لطبيبَين من الطب الصيني والطب الغربي، لضمان استخدام المرضى العقاقير الصينية التقليدية في الوقت الحقيقي، على أساس العلاج بالطب الغربي، فتحسنت حالة بعض المرضى من ذوي الحالات الحرجة بشكل كبير بفضل ذلك.
وكان للتطبيق المبكر لأساليب العلاج الطبي الصيني التقليدي أو تنفيذ تدابير تكامل الطب الصيني التقليدي والطب الغربي الحديث لمكافحة “كوفيد- 19”، تأثير إيجابي كبير في تحسين أعراض المرضى من ذوي الحالات الخفيفة ومنع انتقال المرضى من ذوي الحالات الخطيرة إلى الحالات الحرجة.
وفي هذا السياق أنشأت مقاطعة تشجيانغ الواقعة في شرقي الصين، نظاما كاملا يشمل تدابير متنوعة لمواجهة تهديد الفايروس.
وتتمثل التدابير في ضمان الوصفات الطبية الصينية الجاهزة للوقاية والسيطرة على انتشار الفايروس بين الذين كانوا على اتصال وثيق مع العامة المعرّضين للخطر، وضمان الظروف الوافرة للاعتماد على الطب الصيني التقليدي في معالجة الحالات المشتبه في إصابتها بـ”كوفيد- 19” في المرة الأولى، وضمان مشاركة عاملي الطب الصيني في جميع الحلقات لعمليات علاج المرضى المصابين بـ”كوفيد- 19”.
وفي مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين، نُفذت سياسة دقيقة تحت اسم “وصفة طبية صينية منفردة لشخص واحد” لجميع المرضى الذين يعانون من المرض بشكل خطير، إضافة إلى تنفيذ التدخل المبكر للطب الصيني في علاج المرضى المشتبه بإصابتهم بالفايروس، أو الذين أصيبوا به بشكل خفيف بعد تصنيف أعراضهم المختلفة، وجنبا إلى جنب مع عادات الأكل المحلية وتغيّرات الطقس.
قال هو تشنغ شي، أستاذ الطب الصيني – الغربي المتكامل في المستشفى في تشنغدو، جنوب غربي الصين، إن نظرية الطب الصيني التقليدي تؤكد على تعديل استراتيجيات تشخيص وعلاج الأمراض التي تصيب الناس وفقا لظروف أجسامهم وعقولهم، بشكل منفرد ومتنوع، إضافة إلى الظروف الخارجية مثل الخصائص المناخية الموسمية، والظروف المحلية، والبيئة الجغرافية، أي وفقا لإجمالي حالات الأفراد المختلفين، والتي تتجسد في “تمايز المتلازمات وعلاجها“.
وتتركز النظرية على تعديل حالات العوامل المسبّبة للأمراض من خلال العمل على تنشيط الوظائف الكلية لجسم الإنسان.
وأكد لي هاو، المسؤول في مصلحة الدولة للطب والصيدلة الصينية التقليدية، أن لجنة الصحة الوطنية والمصلحة المذكورة أصدرتا بلاغا مشتركا في 6 فبراير، أوصتا فيه باستخدام نوع من العقاقير الصينية التقليدية تحت اسم “حساء تنظيف الرئة والتخلص من السم” في جميع أنحاء البلاد، وذلك بعد حصول الحكومة على نتائج ممارسات العلاج لـ214 حالة سريرية باستخدام هذه العقاقير.
وعلى ضوء ذلك، أظهرت نتائج استخدام العقاقير بعد عشرة أيام أنه تم علاج 701 حالة مؤكدة للاصابة بـ”كوفيد- 19” باستخدام العقاقير تلك، في 57 مؤسسة طبية مخصصة في 10 مقاطعات، وغادرت 130 حالة منها المستشفيات بعد تماثلها للشفاء، واختفت الأعراض لدى 51 حالة منها، وتحسنت الأعراض في 268 حالة، بينما لم تتفاقم الأعراض بشكل مطرد في 212 حالة.
ورغم هذه الجهود ما زال فايروس كورونا يرفع أعداد المرضى في المستشفيات الصينية، كما بدأ ينتشر في دول أخرى في آسيا وأوروبا خاصة.
المصدر : https://alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%91-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D8%B4%D9%86%D9%91-%D8%AD%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D8%B4%D8%B1%D8%B3%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7