شبان من شمال القوقاز الروسي يحتلون المراكز الأولى في عالم هذه الفنون القتالية. “روسيا ما وراء العناوين” حاولت اكتشاف سر النجاح الذي يصيبه المقاتلون الأشداء من المناطق الجبلية في جنوب روسيا.
قوة جديدة تترعرع بسرعة جامحة في عالم فنون القتال المختلطة.. إنهم المقاتلون الروس الذين هيمنوا على العروض القتالية البارزة في العالم كله، بما فيها تلك الأكثر مكانة، مثل Bellatorو UFС، علما بأن العدد الأكبر من هؤلاء الرياضيين شبان قوقازيون. رستام هابيلوف، حبيب نورمغميدوف، علي بهاؤدينوف، وآدلان آماغوف.. والقائمة تطول. ليس في ذلك ما يدعو للدهشة، فمنطقة جنوب روسيا الجبلية مصنع للمواهب في كافة ضروب الرياضة القتالية عمليا. وهذا ما ينطبق بالدرجة الأولى على المصارعة، والملاكمة التايلاندية، أساس نزالات فنون القتال المختلطة.
لماذا يحافظ المصارعون القوقازيون، ومنذ زمن طويل، على قصب السبق في هذه المباريات؟ ربما، يكمن العامل الرئيس في التربية الأبوية عند شعوب القوقاز، فالكبار يرددون على مسمع فالصبي منذ نعومة أظفاره “انت رجل، محارب، خُلق، أولا، للدفاع عن نفسه وأقربائه”.
منازلة مع الدب
امين غسانبيكوف، المقاتل المحترف، المتأهل للدور النهائي في استعراض М-1 Fighter ،يقول إن الأولاد في مدارس القوقاز، أثناء الفرصة بين الدروس، لا ينتحون زاوية خفية ليدخنوا سيجارة بعيدا عن أعين الآخرين، بل يسرعون إلى جهاز المتوازي وغيره من أدوات الجمباز، فتبدأ المباريات، حيث يحاول كل منهم أن يظهر قدراته ومهاراته في التمارين على العارضة والمتوازي. ولا غرابة إذا قلنا إن دبا صغيرا، حقيقيا، ينازل بعضا من أبطال المستقبل هؤلاء، كما جرى ذلك للمصارع حبيب نورمغميدوف، الذي اقترح عليه والده أن يصارع الدب.
في تشرين الأول/اكتوبر عام 2013 افتتحت في محج قلعة (عاصمة داغستان) أكاديمية فنون القتال الفردي. تعليقا على ذلك، يقول كبير المنتجين، والمروج الشهير لـ Fight Nights، الحائز كأس العالم في جي جيستو، كاميل حاجييف، إن جمهورية داغستان التي وهبت العالم العديد من الأبطال، الأولمبيين وغيرهم، حصلت على ساحة رياضية جديدة، وبذلك سيكون لديها عدد أكبر من الأبطال.
من العار على القوقازي أن يخذل أباه. بطل العالم في التايكوندو أربي أورداشيف من الشيشان، تأهل إلى المنازلة النهائية في بطولة روسيا رغم إصابةٍ أدت إلى تقطع أربطة كاحله. وفي حقيقة الأمر، كان يتقافز على ساق واحدة. تسعون بالمئة من الضربات في التايكوندو WTF، توجه بالأرجل، فلا شك أن من الصعب جدا على المتسابق أن يفوز في المباراة النهائية إذا كان على رجل واحدة. وردا على سؤال حول مغزى هذه البطولة، أجاب الرياضي قائلا: "سيكون عار عليَّ إذا علم والدي أنني لم أشارك في النزال".
إن الفتى القوقازي ملزم باتقان القتال، وإلا لن يستطيع البقاء على قيد الحياة في هذا العالم. وعما إذا كان الفتى لا يريد أن يكون الأقوى، بل الأذكى، أجاب أربي أورداشيف بأن هذا الفتى، بكل بساطة، سيكون مضطرا للصبر وتحمل الكثير، ففي هذا الوسط لا يجوز إظهار الضعف بحال من الأحوال.
منافسة ضارية
لننتقل الآن إلى الصالات الرياضية. بطولة داغستان (جمهورية قوقازية ضمن روسيا الاتحادية) في المصارعة الحرة لا تقل مكانة عن بطولة روسيا، من حيث مستوى الرياضيين. وهذا ما يتضح بكل بساطة إذا علمنا أن الاربعة الأوائل في منتخب البلاد يتنافسون ضمن في فئة واحدة. المنافسة هائلة. كثيرون لا يستطيعون تحمل ذلك، ويضطرون لمغادرة الجمهورية والذهاب إلى مناطق، وحتى إلى بلدان، أخرى.
إن الوصول إلى عضوية منتخب البلاد يعد، بالنسبة لهؤلاء الرياضيين، أحد الفرص القليلة لشق طريقهم في الحياة. ولذلك فإن النزالات تغدو مسألة بالغة الأهمية في الصراع من أجل مكان تحت الشمس. المقاتلون الداغستانيون مستغرقون في تدريباتهم وطموحاتهم إلى درجة أنهم غالبا ما يختبرون قواهم بالقتال أحدهم ضد الآخر. وفي أحد التمارين قع نزاع بين علي باهؤدينوف ورستام هابيلوف، سرعان ما تحول إلى عراك حقيقي.
“القوقازيون يرغمون الأمريكيين على الشعور بالكسل”
البطل الأمريكي الدائم في UFC جون جونز أشار إلى أن للمقاتلين الداغستانيين علاقة مذهلة بعملهم، فهم دائما على أهبة الاستعداد للتدرب بكل جد واجتهاد. حتى أنهم يرغمون الأمريكيين أحيانا على الشعور بالكسل”. ونجم فنون القتال المختلطة، الياباني ياسوبي إنوموتو، يقول إن في داغستان مقاتلين أشداء. وإنه على معرفة جيدة بقوتهم وتقنياتهم، إذ التقاهم على الحلبة غير مرة. لقد سبق لهذا هذا الرياضي أن نازل زميله الداغستاني شامل زافوروف الذي فاز عليه حينا، وخسر أمامه حينا آخر.
نسرٌ في قبعة من الفرو
حبيب نورمغميدوف واحد من أكثر راضيي UFC القوقازيين شهرة. وإذ تغلب على خيرة المشاركين في المباريات واحدا بعد الآخر، يتوجه بملامحه القومية إلى الجمهور الأمريكي، أحيانا بطريقة لا تخلو من التحدي. حبيب، الملقب بالنسر، يخرج إلى الخصم والجمهور، وعلى رأسه قبعة الفرو التقليدية في القوقاز (باباخا).
وهذه اللفتة الإبداعية لا تذهب سدى، فعدد جيش المعجبين بهذا الرجل الاستعراضي، نورمغميدوف، يتزايد بسرعة فائقة.
من الطبيعي أن الصورة المؤثرة ليست إلا مكافأة تضاف إلى النجاح، فالمهم هو الفوز في النزال. في أمريكا يجب القيام بذلك على نحو جميل كي يحضر المشاهد مبارياتك، ويدفع النقود لنقل وقائعها، ويضع ملصقاتك على جداره. رياضيو القوقاز الروسي يؤدون هذه المهمة بنجاح حتى الآن، ولذا من المحتمل جدا أن يتزايد باستمرار عدد “الباباخات” والسراويل، وغيرها من الرموز القومية القوقازية أثناء مسابقات الفنون القتالية المختلطة.