تزعم العديد من الأحداث الرياضية أنها من بين مواجهات القرن، ويرتقي القليل منها لمستوى التوقعات، لكن نزال محمد علي كلاي ضد جو فريزر يتواجد دائمًا في القائمة النهائية.
ومن أجل اكتساب هذه الصفة، يجب أن تصمد هذه المواجهات أمام الزمن، وتظل عالقة في الذاكرة.
وهذه المواجهات ليست مجرد عروض عابرة لكنها لحظات متجانسة تكون جزءًا من السجل التاريخي للرياضة، ويتم تذكرها أكثر من هوية الفائز والخاسر.
وبالنسبة للملاكمة جاءت هذه اللحظة في ماديسون سكوير جاردن في 8 مارس/آذار 1971، عندما واجه محمد علي كلاي بطل العالم لوزن الثقيل وصاحب السجل الخالي من الخسارة، نظيره فريزر، وبقي النزال كما تم الدعاية له قبل 50 عامًا بأنه “نزال القرن”.
ويقول بوب آرم مروج مباريات الملاكمة الشهير الذي كان حاضرًا في المباراة التي استمرت 15 جولة، وانتصر فيها فريزر بإجماع آراء الحكام “كانت ليلة ساحرة لن أنساها ما حييت”.
ونوه “تحدثنا حول هذا النزال، أكبر مباراة ملاكمة إن لم يكن أكبر حدث رياضي، والسؤال هو لماذا؟”.
وأضاف “كنا نعلم أن كلاي لم يخسر من قبل ولم يُسمح له بممارسة الملاكمة لـ 3 أعوام ونصف، وكان عائدا إلى الملاكمة وجو فريزر كان البطل المؤقت بلا منازع، لذا كان هناك المزيد من الاهتمام بالملاكمة”.
وتابع “لكن كل هذا لم يجعل النزال هو أعظم حدث رياضي شاهدته على الإطلاق، فالفضل في ذلك يعود إلى السياسة”.
وكما لاحظ مؤرخو الملاكمة والمعلقون أن هناك العديد من النزالات التي اكتسبت قدرا كبيرا من الإثارة والمشاعر، لكن القليل من المناسبات الرياضية كانت قادرة على خطف أنظار العالم لهذه الأسباب فقط.
ولم تكن الإثارة هي من ترفع قدر مواجهات على حساب مواجهات أخرى وتضعها على القمة لأجيال، بل هو التوتر الكامن مما يجعل النتيجة أكثر أهمية من منح الكأس أو اللقب.
وينتمي النزال الأول من بين ثلاثية محمد علي كلاي ضد فريزر لتلك المواجهات، حيث تجتمع فيها الرياضة والسياسة والثقافة مع وجود حرب فيتنام كخلفية لمشهد سلط الضوء على حالة الانقسام في أمريكا بدلًا من توحيد البلاد.
وأبلغ جيري إيزنبيرج، مؤرخ الملاكمة وصاحب كتاب العصر الذهبي لملاكمة الوزن الثقيل، رويترز “لن تتكرر مواجهة في وزن الثقيل مثل هذه على الإطلاق. الجميع اهتموا بهوية الفائز لأسباب ليست لها أي علاقة بالنزال”.
ونوه “الأمر كان متعلقا بفيتنام. علي وفريزر كانا الرمزين لحالة الانقسام في البلاد، واتحاد الناس خلف كل منهما”.
حدث مذهل
من الناحية الرياضية، قدم النزال كل شيء، محمد علي تم وصفه على أنه بطل الوزن الثقيل “داخل الحلبة”، بينما دخل فريزر، الحلبة وهو بطل المجلس العالمي للملاكمة والاتحاد العالمي للملاكمة.
وكان النزال بين البطلين الأولمبيين السابقين واللذين لم يخسرا في مسيرتيهما الاحترافية، مواجهة بين أسلوبين ومزاجين مختلفين.
ففي جانب كان هناك محمد علي بشخصيته الكاريزمية وبطل السلام المنحاز لضميره والمعارض للخدمة العسكرية، والذي جُرد من رخصة الملاكمة وألقابه لرفضه التجنيد، وهو ما كلفه الابتعاد عن حلبات الملاكمة لأكثر من 3 أعوام.
على الجانب الآخر، هناك فريزر المنتمي للتيار المحافظ وصاحب القبضة اليسرى القوية.
وحصل كل ملاكم على 2.5 مليون دولار، وهو مبلغ لا سابق له في التاريخ، مع دخول نظام الدفع مقابل المشاهدة.
وتحول ماديسون سكوير جاردن في الثامن من مارس/آذار إلى جاذب لوسائل الإعلام العالمية والشخصيات البارزة، بداية من الممثلين إلى رواد الفضاء، وشعر الجميع بأنهم على مشارف حدث استثنائي.
ولا يعتقد آرم، الذي روج لمجموعة من أبرز النزالات، أن الملاكمة ستشهد نسخة أخرى مما يمكن وصفه “بنزال القرن”.
وهناك بعض النزالات الجذابة وأيضًا بعض الملاكمين المثيرين مثل البريطانيين تايسون فيوري وأنطوني جوشوا، اللذين من المفترض أن يلتقيا في نزال توحيد ألقاب الوزن الثقيل، لكن لا يوجد من يملك القدرة على الحشد مثل محمد علي وفريزر.
وقال آرم “تايسون فيوري يملك شخصية رائعة لكنه ليس محمد علي. لو سألتني من هو علي أو فريزر القادم فالإجابة لا يوجد. لن يكون هناك نزال مثل هذا على الإطلاق”.
وتابع “الملاكمة شهدت العديد من النزالات منذ ذلك الحين وربما كان بعضها أكثر إثارة، لكن من استمع أو شاهد أو كان حاضرًا في ذلك النزال لن ينساه للأبد. هذا يوضح الكثير”.