تشتهر البرازيل بأنها موطن كابويرا (فن الدفاع عن النفس الشبيهة بالرقص)، لكن جذورها في الواقع تعود إلى الدولة الأفريقية المعروفة حالياً باسم أنغولا.
حاول لوسيو نغونجي، إحياء التقليد القديم لمساعدة الناس على التواصل مع تراثهم، كما كتبت مارسيا فيغا.
ينتقل لوسيو نغونجي، إلى مجمع مرجانيناصع اللون في العاصمة الأنغولية، لواندا، ثلاث مرات في الأسبوع، في وقت متأخر من فترة ما بعد الظهيرة. يسير عبر ممر مشاة يؤدي إلى ملعب صغير لكرة السلة، الذي عندما تبدأ الشمس في الغروب، يتردد في أرجائه صدى التصفيق والغناء وقرع الطبول التي يعزفها الموسيقيون.
وفي حلقة، يقف الطلاب بطريقة وكأنهم يحمون الحلقة، مرتدين قمصاناً صفراء مرسوما عليها أقنعة تقليدية، وينتظرون بفارغ الصبر دورهم للدخول إلى وسط الحلقة أزواجاً.
ومن بين هؤلاء الراقصين، نغونجي، ذلك الذي يبدو وكأنه في شبه غيبوبة، وهو يقودهم: “لا يوجد أكثر أو أقل، هناك فقط معرفة وتجربة مختلفة”.
هذه هي كابويرا أنغولا، وهي نسخة من فنون القتال التي نادراً ما تُمارس في البرازيل أو أنغولا نفسها.
لكن اسمها يتحدث عن أصول الفن التي تعود إلى قرون، قبل أن يتم استعباد الناس ونقلهم من ساحل جنوب أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية.
تم تطويرها في ما تعرف الآن بالبرازيل، باستخدام الإيقاعات وغناء النداء والاستجابة الموجودة في التقاليد الأفريقية.
رقصة الكابويرا الأنغولية تخلق شعوراً روحانياً، والحركات غالباً منخفضة وقريبة من الأرض، مع التركيز على الدقة. هذا هو السبب في أن إيقاع الموسيقى أبطأ مما هو عليه في النسخة الشائعة، والمعروفة باسم الإقليمية.
الفرق بين كابويرا الأنغولية والإقليمية دقيق للغاية. الأنغولية تتضمن المزيد من الأدوات ويشعر ممارسوها بأنها روحانية أكثر.
وتتمثل مهمة نغونجي في جعل هذه النسخة أكثر انتشاراً مرة أخرى.
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، بدأ التدريب على كابويرا الإقليمية، ولكن بعد سبع سنوات سمع عن كابويرا أنغولا وعلى الفور أدرك أن النسخة الإقليمية لا تناسبه.
ويقول الرجل البالغ من العمر 36 عاماً: “كنت أسأل نفسي مراراً، لماذا أستمر في التدريب على الكابويرا الإقليمية بينما يمكنني الذهاب إلى جذور بلدي؟”.
ومع قلة المعلومات المتوفرة، بحث عن البرازيلي بيدرو ترينداد، المعروف أيضاً باسم ميستري مورايس، الذي علم أنه كان المسؤول عن إحياء كابويرا أنغولا في الثمانينيات.
يقول نغونجي: “أشعر بالغضب قليلاً في بعض الأحيان، عندما أفكر في كيفية رفض مساهمات أنغولا في الكابويرا”.
ويقول ميستري مورايس إنه تم التقليل من أهمية التأثير الأفريقي عمداً، بسبب العنصرية نوعاً ما.
ويشرح قائلاً: “لقد تم الاعتراف بها كجزء من الثقافة الأفريقية وتم تصنيفها على أنها عدوانية بسبب رابطة العبيد”.
تم تطوير الكابويرا في الأصل كطريقة لإظهار أن الناس كانوا يرقصون.
وفي منتصف القرن السادس عشر، أثناء العمل في الحقول، ابتكر العبيد ما أصبح فيما بعد أقدم أشكال الكابويرا في البرازيل، التي كانوا يمارسون فيها تقنيات القتال متظاهرين أنهم يرقصون رقصة شعبية.
وبعد إلغاء العبودية في البرازيل في عام 1888، حظرت الحكومة الكابويرا، خشية أن يؤدي استخدام هذا الفن إلى جعل أي تمرد من قبل العبيد المحررين أكثر صعوبة للتغلب عليه.
لكن العبيد السود استمروا في ممارسة ما يُعرف الآن باسم كابويرا أنغولا في الأقبية وأماكن مخفية، مستخدمين أسماء مستعارة لحماية هويتهم.
وفي حوالي عام 1930، طور ريس ماتشادو، المعروف باسم ميستري بيمبا، طريقة لتعليم الكابويرا سهلت التعلم على الراغبين بتعلمها. وبعد إقناع السلطات بالقيمة الثقافية لفنون القتال والدفاع عن النفس، تم رفع الحظر وافتتحت أول مدرسة للكابويرا في البرازيل.
ولكن، كان لا يزال ينظر إلى الكابويرا بازدراء، خاصة من قبل البرازيليين من الطبقة العليا.
ورداً على ذلك، وضع ميتري بيمبا معايير جديدة، فقد قدم زياً أبيض اللون نظيفاً، وطلب من الطلاب إظهار مواقف جيدة.
ونتيجة لذلك بدأت الكابويرا في جذب جمهور جديد أصبح مهتماً بممارسة الكابويرا في الداخل.
كانت هذه بداية الكابويرا الإقليمية.
ومع استمرار بعض الممارسين في اتباع النموذج الأقدم، وافقوا على اسم كابويرا أنغولا لتمييزه عن الإقليمي. لكن بمرور الوقت تم تهميشها ونسيانها إلى حد كبير.
قام ميستري بيمبا، أيضاً بتبسيط استخدام الأدوات التي تعتمد فقط على الطبل وآلة موسيقية أخرى هي (بيرمباو).
“إنها مريحة للأعصاب”
على الرغم من الاسم، فإن الادعاء بأن الكابويرا نشأت فيما تعرف الآن بأنغولا لا يزال مسألة تكهنات، إذ أن العبيد الذين غادروا لواندا، جاءوا من جنوب ووسط إفريقيا.
ولكن، تم ربطه بالتقاليد الأنغولية مثل تقليد (نغولو)، حيث يتنافس مقاتلان شابان بأن يقلدا حركات اقتتال الحمار الوحشي عند التقدم لطلب يد عروس ليحظى بها الفائز.
ولكن بغض النظر عن خلفية الأمر وحذافيره، كان نغونجي مصمماً على إعادة ربطها بتاريخ يسبق العبودية ويغرس في نفوس الأنغوليين الفخر بماضيهم.
وكان نغونجي قد سافر إلى المنفى عندما كان في الـ 15 من عمره، خلال الحرب الأهلية في أنغولا، ولكن عند عودته إلى البلاد عام 2014، أراد أن يساهم في إحداث التغيير في البلاد.
وأصبح نغونجي أخصائياً اجتماعياً، كما افتتح أول مدرسة كابويرا أنغولية في البلاد وحصل على رتبة (كونترا مستر) أي المشرف، إذ لديه مجموعة صغيرة ولكن متحمسة من الطلاب.
كان تأثير أصوات الآلات – أجوغو (أجراس) وأتاباك (طبل) وبريمباو- التي كانت تصدر من المدرسة أشبه بتنويم مغناطيسي.
وتقول كيلي، وهي طالبة تبلغ من العمر 17 عاماً، “عندما رأيت لأول مرة كونترامستري، كنت أطل من الشرفة الأرضية محاولة معرفة مصدر الصوت”.
وبالمثل، اكتشف ماركوس، 18 عاماً، كابويرا أنغولا من خلال سماعه العزف الإيقاعي من شرفته قبل خمس سنوات.
ويقول: “أقوم بتدريب كابويرا أنغولا خمسة أيام في الأسبوع، وأحب الطريقة التي تريحني من الغضب وتساعدني على إيجاد التوازن، والتغلب على التوتر ونسيان العالم الخارجي”.
إن فكرة تعليم الطلاب في المدرسة عن الأهمية التاريخية لأنغولا خارج الثقافة الأوروبية أمر بالغ الأهمية.
“جزء من شيء أكبر”
وقال أغوينيلو، وهو أصغر طالب في المدرسة يبلغ من العمر 15 عاماً: “لقد تعلمت المزيد عن ثقافتي وبلدي من خلال كابويرا أنغولا أكثر مما تعلمت في المدرسة”.
ويشبه ميستري مورايس كابويرا أنغولا برمز اللانهاية، مما يعكس أنه ضمن الحلقة لا يشعر راقصو الكابويرا بوجود حدود أو سلطة.
ويقول: “إنه يعلمك أنك جزء من شيء أكبر” وطلاب نغونجي خير دليل على ذلك.
ويقول ماركوس: “كرجل حر، أشعر بالفخر للمشاركة في شيء نابع من التحرر من العبودية”.
وحلم نغونجي هو أن يشتري يوما ما، أرضاً تكفي مساحتها لبناء أكاديمية ومواصلة إلهام الشباب على ممارسة كابويرا أنغولا.
” أهتم كثيراً بشعبي وأذكّر نفسي باستمرار أن رد الجميل واجب علي”.