ربما يتطلب اكتسابك لياقة بدنية عالية شهورا طويلة من التدريبات الشاقة. ورغم أن القوة التي ستحظى بها بفضل ذلك، قد تتلاشى بسرعة إذا توقفت عن التدريب، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنك ستضطر في هذه الحالة، إلى البدء من نقطة الصفر من جديد.
لا يشكل اكتساب لياقة بدنية عالية أو صحة جيدة، أمرا سهلا. لذا ربما يتساءل البعض، بعدما يبذلون جهدا كبيرا في ممارسة التدريبات الرياضية لتحقيق هذا الهدف، عن الفترة الزمنية التي سيتمكنون خلالها من الحفاظ على هذه الحالة البدنية المتميزة. الإجابة على هذا السؤال جاءت عبر دراسات، أظهرت أنه مهما كان الجهد المبذول في التدريبات لبلوغ مستوى لياقة بدنية متميز، فإن التوقف عن تلك التمارين لفترة ما، قد يؤدي إلى أن نصبح “غير لائقين بدنيا”، في وقت أسرع بكثير، من ذاك الذي استغرقناه للوصول إلى ذلك المستوى.
وللتعرف على كيف يمكن أن يفقد المرء اللياقة التي اكتسبها بفضل الرياضة حال توقفه عن ممارستها؛ يتعين علينا في البداية فهم الكيفية التي يمكننا من خلالها، أن نصبح لائقين بدنيا. فالعنصر الرئيسي، الذي يوصلنا إلى هذه الحالة، سواء أكانت تتجسد في صورة زيادة القوة العضلية، أو تحسين وضع القلب والأوعية الدموية، وهو ما يُعرف بـ “اللياقة القلبية الوعائية”، يتمثل في أن يتجاوز المرء “الحِمْل المعتاد”، أي أن يجعل جسده يبذل مجهودا يفوق ما اعتاد بذله. وهنا تؤدي الضغوط، التي يتعرض لها الجسم، إلى جعله أكثر تأقلما على ذلك الجهد الإضافي، وأكثر قدرة على التحمل كذلك، وهو ما يقود بالتبعية، إلى اكتسابه معدلات أعلى من اللياقة البدنية.
ويعتمد الوقت الذي تحتاجه لاكتساب تلك اللياقة على عدد من العوامل، من بينها عمرك ومستوى لياقتك من الأصل، بجانب مقدار الجهد الذي تبذله في التدريبات، بل وحتى البيئة التي تتدرب في ظلها. فالتلوث وارتفاع درجة الحرارة قد يؤثران – مثلا – على استجابتك الفسيولوجية لتلك التدريبات.
رغم ذلك، تشير بعض الدراسات إلى أنك قد لا تحتاج سوى إلى ست جلسات من التدريبات المتقطعة، لزيادة ما يُعرف بـ “السعة القصوى للأكسجين”، وهو مصطلح يشير إلى “أكبر سعة يستطيع الجسم استيعابها من الأكسجين، في حالة بذله أقصى جهد ممكن في الدقيقة”. ويمثل مستوى هذه السعة، أحد المقاييس التي يمكن التعرف من خلالها، على مستوى اللياقة العام، الذي يحظى به المرء. كما يمكن أن تُحسِّن هذه الجلسات، قدرة الجسم على بث النشاط في أوصاله، خلال ممارسة الرياضة، وذلك عبر استخدام السكريات المُخزَّنة في خلايانا.
وإذا كنت تمارس “تمارين القوة”، فبوسعك أن تشعر ببعض الفوائد التي تجنيها من وراء ذلك على صعيد تقوية عضلاتك، خلال فترة لا تزيد عن أسبوعين، من بدء ممارستك التدريبات. لكن الفترة التي يتطلبها إحداث تغيير ظاهر للعيان في حجم العضلة، تتراوح ما بين ثمانية واثني عشر شهرا.
“لياقة قلبية وعائية”
وتعتمد سرعة فقدانك اللياقة البدنية، حال توقفك عن ممارسة التدريبات الرياضية، على عدة عوامل، تشمل نوع اللياقة التي نتحدث عنها من الأساس، فهل نقصد “اللياقة القلبية الوعائية”، أم نولي اهتمامنا للياقة العضلية.
لتبسيط الأمر، دعونا نتصور هنا سيناريو افتراضيا، بطله أحد عداءي الماراثون، على أن يكون في ذروة لياقته البدنية، ويستطيع أن يقطع مسافة الماراثون كاملة، في ساعتين ونصف الساعة تقريبا، على سبيل المثال. ووفقا لهذا السيناريو، يُفترض أن يكون هذا العداء يمارس تدريباته لخمسة أو ستة أيام في كل أسبوع، يعدو خلالها مسافة تصل في إجماليها إلى 90 كيلومترا (56 ميلا). كما أنه، بحسب هذا السيناريو، قضى الأعوام الخمسة عشر الماضية، في بذل جهود كبيرة لتحسين وتطوير مستوى لياقته البدنية.
الآن لنفترض أن هذا الرياضي، قرر التوقف عن ممارسة تدريباته تماما. سيعني ذلك أن جسمه، لن يصبح عرضة للضغوط، التي يتعرض لها عادة عندما يمارس صاحبه هذه التمارين، التي تجبره على البقاء لائقا بدنيا. ويؤدي ذلك إلى أن يبدأ بطلنا الرياضي، في فقدان لياقته، في غضون أسابيع قليلة.
ومن بين أنواع اللياقة التي ستتأثر لدى هذا العداء الافتراضي جراء توقفه عن التدريبات الرياضية؛ “اللياقة القلبية التنفسية”، وهي تلك المتعلقة بقدرة قلبه وجهازه التنفسي، على الحصول على الأكسجين من الهواء الخارجي، ونقله عبر الدم واستخلاصه من جانب الخلايا وخاصة العضلات، بهدف إنتاج الطاقة. ويقل مستوى هذا النوع من اللياقة، الذي يتحدد عبر التعرف على معدل “السعة القصوى للأكسجين” لدى المرء، بنسبة تصل إلى نحو 10 في المئة في غضون الأسابيع الأربعة الأولى، من التوقف عن التمارين. ويتواصل التراجع بعد ذلك بطبيعة الحال، لكن بوتيرة أبطأ.
وقد يكون مثيرا للاهتمام أن تعلم، أنه بالرغم من أن الرياضيين المُدربين بشكل جيد للغاية، مثل عداءي الماراثون، يعانون من تراجع حاد في مستوى “السعة القصوى للأكسجين” لديهم، خلال الأسابيع الأربعة الأولى من التوقف عن التدريب، فإن هذا التراجع يتلاشى بعد ذلك. وفي نهاية المطاف، يستقر مستوى هذا النوع من اللياقة لدى هؤلاء الرياضيين، عند درجة أعلى من معدله المتوسط لدى الناس العاديين. أما بالنسبة للشخص العادي، فسينخفض مستوى “السعة القصوى للأكسجين” بشكل حاد، ليستقر عند مستواه الذي كان عليه قبل بدء ممارسة التدريبات، خلال أقل من ثمانية أسابيع لا أكثر.
ويعود سبب تراجع مستوى “السعة القصوى للأكسجين” في هذه الحالة، إلى انخفاض حجميْ الدم والبلازما في الجسم. وتبلغ نسبة هذا الانخفاض نحو 12 في المئة، في الأسابيع الأربعة الأولى، من التوقف عن التدريبات. ويُعزى تقلص حجميْ الدم والبلازما بدوره، إلى تراجع مستوى الضغوط، التي يتعرض لها القلب والعضلات، بعد التوقف عن التمارين.
ومن الممكن أن تصل نسبة التراجع في حجم بلازما الدم إلى قرابة خمسة في المئة خلال الساعات الـ 48 التالية مباشرة لوقف التدريبات. ومن شأن تراجع حجميْ الدم والبلازما، تقليص كمية الدماء التي تُضخ في مختلف أنحاء الجسم، مع كل خفقة من خفقات القلب. لكن الأمر الإيجابي هنا ربما، يتمثل في أن حجميْ الدم والبلازما يتراجعان إلى ما كانا عليه قبل بدء ممارسة التدريبات، وهو ما يعني أن وضعهما لن يسوء عن ذلك.
ومع أن غالبيتنا ليسوا بطبيعة الحال، من عداءي الماراثون، فإن تأثيرات توقف التدريبات على أجسامنا، لا تختلف عن تلك التي تحدث للرياضيين. فبمجرد توقف المرء منّا عن التمارين، يبدأ جسمه في فقدان ما طرأ على القلب والأوعية الدموية فيه، من تغيرات استهدفت التكيف مع الوضع الناجم، عن بذل مجهود يفوق ما هو معتاد. ولا تختلف معدلات ونسب تلاشي هذه التغيرات لدينا، كثيرا عما يحدث مع العداءين المُدربين جيدا.
“تمارين القوة”
وإذا انتقلنا إلى تأثير توقف ما يُعرف بـ “تمارين القوة” على ما نكتسبه بفضلها من قوة عضلية، سنجد أن الأدلة العلمية المتوافرة في هذا الشأن، تشير إلى أن الكف لمدة 12 أسبوعا عن ممارسة هذا النوع من التدريبات، يؤدي إلى تراجع لا يُستهان به في ثقل الأوزان، التي يستطيع المرء رفعها. ولحسن الحظ، تُظهر الدراسات أيضا، أنك تظل رغم ذلك قادرا على الحفاظ على قدر من القوة، التي كنت قد اكتسبتها قبل توقفك عن ممارسة التدريبات. ومن المثير كذلك أن نعلم أن التراجع الكبير في القوة العضلية في هذه الحالة، لا يصاحبه سوى انخفاض طفيف للغاية في حجم الألياف العضلية.
ويرتبط فقداننا للقوة العضلية بوجه عام، بحقيقة أننا عندما نتوقف عن التدريبات الرياضية، نكف نتيجة لذلك عن تعريض عضلاتنا للضغوط. ويؤدي التوقف عن تدريب هذه العضلات بشكل مكثف وشاق، إلى أن تصبح “خاملة”، وهو ما يقود إلى تقلص عدد الألياف في كل منها. ويفضي ذلك أيضا إلى تقليل عدد العضلات التي يمكن للمرء أن يستنفرها خلال ممارسة أي نشاط، وهو ما يجعلنا في نهاية المطاف، أقل قدرة على رفع الأوزان الثقيلة، التي كنا قد اعتدنا رفعها.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الألياف العضلية، التي تُستنفر وتُستخدم خلال التدريبات الرياضية، تقل بنسبة تصل إلى 13 في المئة بعد أسبوعين فحسب من التوقف عن ممارسة “تمارين القوة”، برغم أن ذلك لا يترافق على ما يبدو، مع تراجع في قوة العضلات نفسها. ويوحي ذلك بأن الخسائر التي نُمنى بها على هذا الصعيد كلما زادت فترة التوقف عن التمارين، تنجم عن الانخفاض الذي يحدث في المرحلة الأولى من الكف عن التدريبات، في عدد ألياف كل عضلة، وكذلك عن التراجع الأبطأ وتيرة، في كتلة العضلات ككل.
وفي هذه الحالة، سيعاني من اعتادوا التردد على الصالات الرياضية، من التراجع في حجم عضلاتهم وبمرور الوقت سيجدون أنه بات من الصعب عليهم رفع أوزان ثقيلة، لأنه بات لديهم عدد ألياف أقل في كل عضلة، وهو ما يقلص القدرة العضلية التي يمكنهم استنفارها للمساعدة، على حمل تلك الأوزان.
لذا فمهما كان حجم الجهود المضنية، التي ربما نكون قد بذلناها لاكتساب لياقة بدنية مرتفعة؛ يبدو من الواضح أننا نبدأ في فقدان “اللياقة القلبية الوعائية” وقوتنا العضلية أيضا، في غضون 48 ساعة فحسب، من التوقف عن ممارسة التدريبات الرياضية. لكننا لا نبدأ في الشعور بالتأثيرات السلبية، التي تلحق بـ “اللياقة القلبية الوعائية”، إلا بعد أسبوعين على الأقل أو ثلاثة.
أما بالنسبة للقوة العضلية فتظهر التأثيرات عليها، بعد ما بين ستة وعشرة أسابيع. من جهة أخرى، لا تختلف معدلات التراجع التي تلحق باللياقة البدنية بسبب التوقف عن التدريبات الرياضية، بين رجل وامرأة أو حتى شخص رياضي أكبر سنا من المتوسط. لكن كلما كنت أكثر لياقة، تباطأت وتيرة خسارتك، لما اكتسبته من فوائد، بفعل مواظبتك لفترة ما على التدريبات الرياضية.
نقلا من بي بي سي المستقبل