مدريد – إجناسيو إنكابو- يصطدم جسدان مفتولا العضلات ونصف عاريان في ساحة محاطة بسياج حديدي لا مهرب منه، يتبادلان اللكمات والركلات والخنق وحركات الإخضاع، إلى أن يتمكن أحدهما من هزيمة الآخر ويخرج منتصرا. هذا هو عالم الفنون القتالية المختلطة والتي تذكر برياضة الـ(بانكريشن)، التي كانت تعتبر من أكثر المنافسات وحشية في الألعاب الأوليمبية في الأزمان الغابرة منذ عهد الإغريق.
ويسمح بكل شيء في حلبات الفنون القتالية المختلطة المعروفة أيضا باسم (إم إم إيه) عدا الضرب بالرأس أو الكوع أو الاعتداء بالركبة على رأس المنافس أو محاوله عضه أو إمساكه من شعره، وذلك في طابع عنيف قد يصبح أحيانا دمويا ولكنه بكل تأكيد لا يصل لحدود الـ(بانكريشن)، التي تعد خليطا بين المصارعة والملاكمة.
وكانت رياضة الـ(بانكريشن) دخلت الألعاب الأوليمبية عام 648 قبل الميلاد حيث كان الأمر الوحيد الممنوع في الحلبة هو العض أو الـ”خربشة”، حيث كانت الجولات تنتهي إما بالاستسلام أو الموت كما حدث في عام 564 قبل الميلاد مع أراشيون. اكتسب اراشيون مكانا شرفيا بين الأساطير الأوليمبية كلفه حياته، حيث نجح في إجبار خصمه على الاستسلام عقب أن كسر له اصبع ساقه، ولكن قبل ثوان قليلة من موته خنقا.
ولا توجد أية حالات وفاة في حلبات الفنون القتالية المختلطة في الوقت الحالي، فعلى الرغم من أن الضربات قد تكون أقوى مما كان عليه الأمر في اليونان القديمة، إلا أن المقاتلين دائما ما يكونوا مؤهلين ومستعدين لاستقبالها.
في تصريحات لـ(د. ب. أ ) يقول أبنر يوفيراس، وهو واحد من أفضل المقاتلين في هذه اللعبة والحائز على عدة ألقاب إن “أسوأ ضربة تلقيتها كانت منذ أربعة شهور”، حيث أوضح أنه لا يزال يعاني من آثارها ليقص هذه التجربة قائلا “كان فتى فرنسي لديه وجه طفل بريء، شاهدت أرقامه التي كانت تقول إنه فاز بثمان مباريات ست منها بالضربة القاضية عن طريق اللكم، قلت لنفسي لا بد أن ضرباته قوية، حتى تلقيتها هنا”، مشيرا إلى الجانب الأيمن في وجهه بين الفم والأنف.
وتابع يوفيراس “لا زلت أتنفس بصورة سيئة وأسناني تؤلمني بعد التركيبات، لدي حساسية منها، لم يكن مفتول العضلات، ولكن قبضته كانت أشبه بالمطرقة التي تنطلق بسرعة البرق”.
عادة تكون جولات مصارعة الفنون القتالية المختلطة قصيرة حيث لا يوجد تقريبا جس نبض قبل المواجهات ففي غضون ثوان معدودة يلتحم المقاتلان في سلسلة من اللكمات والركلات العنيفة المتلاحقة، مع العلم بأن هذه الرياضة لها أكثر من اتحاد ينظم قواعد المصارعات، وتتفاوت فيما بينها في لوائح تتعلق بمدة أو عدد الجولات. يقول أحد مروجي مصارعات الفنون القتالية المختلطة ويدعى رفائيل جوميز جارليس لـ(د .ب. ا) “إنها عبارة عن خليط بين الكاراتيه والملاكمة والكيك بوكسينج والمصارعة الحرة والجوجيتسو، إنها معركة كاملة.. من سيفوز إذا وضعنا في الحلبة ملاكم أمام لاعب كاراتيه؟ وحدها الفنون القتالية المختلطة القادرة على تقديم الإجابة”.
ويجب على مقاتل الـ(إم إم إيه) أن يتحلى بعدة مهارات أهمها السرعة في استخدام القبضات والساقين والرشاقة أرضا وجوا والقوة البدنية والذهنية حيث أن انعدام التركيز ولو لثانية واحدة قد يعني الخسارة.
يدخل كل مقاتل الحلبة، ثمانية الأركان والمحاطة بالشباك الحديدية في أغلب الأحيان، مرتديا بنطالا قصيرا وواقي للخصيتين وقفازين مخصوصين لتغطية عقل الأصابع وواقي للأسنان، وهو الأمر الذي يعد من ضمن عوامل الأمان التي لم تكن بكل تأكيد متوفرة في الـ(بانكريشن) في زمن الإغريق.
يقول يوفيراس “بكل تأكيد يوجد عنف”، حيث يظهر على وجهه مدى قسوة النزالات فالتجويف الأنفي يبدو كما لو كان غارقا داخله مع بروز الوجنتين، فيما يقول جوميز كارليس من جانبه ” في هذا النوع من الرياضات لا يمكن اعتبار لكمة في الوجه على أساس عنف، لأنها رياضة قائمة على الاحتكاك، الأمر القبيح سيكون توجيه الضربات أسفل البطن، هذا هو العنف، هذا مثل ضربة بالكوع من لاعب لآخر في الملعب أثناء مباراة كرة قدم”.
وتتحول كمية الضربات التي يتلقاها مقاتل الـ(إم إم إيه) طوال حياته إلى نوع من الروتين حيث يقول يوفيراس “حينما تشعر بسخونة الأجواء والأدرينالين ينطلق في جسدك وسط المعركة، لا تشعر أحيانا ببعض الضربات، أتذكر أنني كسرت كاحلي أثناء نزال في الولايات المتحدة بالجولة الثالث ولم أدرك الأمر إلا في الجولة الأخيرة”.
وعلى الرغم من أن يوفيراس يعد من ضمن الأسماء البارزة في اللعبة، ولكنه بكل تأكيد لا يمكن مقارنته بالأسطورة ميلو الكروتوني الذي حقق ست انتصارات أوليمبية في المصارعة، وهي الرياضة السابقة للـ(بانكريشن)، والتي دخلت ضمن الألعاب الأوليمبية في عام 706 قبل الميلاد.
وتقول القصص إن ميلو كان يحب إظهار قوته لذا فإنه في إحدى المرات أخذ ثمرة رمان ووضعها في يده ودعا رفاقه لمحاولة نزعها منه حيث فشلوا جميعا في تحقيق الأمر دون أن تتعرض الثمرة لأي تلف على الرغم من أنه لم يتركها في أي لحظة من بين يديه.
ووفقا للأسطورة اليونانية فإن ميلو قاد كروتونا للنصر على القرى المجاورة لها في ساحة المعركة وهو مرتديا تيجانه الأوليمبية وجلد الأسد مثل هرقل.
ولا تتعلق حلبات (إم إم إيه) في الوقت الحالي بعالم الأساطير والقصص التي ستحكى وتروى للأطفال، وإن كان الهدف الرئيسي لا زال وسيظل هو الفوز للحصول على إعجاب الجماهير.
يقول يوفيراس لـ(د .ب. أ) قبل نزال له في مدريد “الفوز هو أهم شيء، حينما تفوز يدعمك الناس ويشجعونك ويقدمون لك التهنئة، هذا اعتراف بالمجهود الذي بذلته.. هذه الرياضة تتطلب الكثير من التضحية، ففي الوقت الذي يحتفل فيه الجميع تكون عاكفا على التدريب، وحينما يأكلون ما يحلو لهم، تظل ملتزما بنظامك الغذائي، إنها تضحية كبيرة ولكن في نفس الوقت بها أحد أشكال الاستمتاع”.
المصدر: http://www.hdhod.com/أقدم-الرياضات-القتالية-العنيفة-في-العالم-تعود-بقوة-إلى-إسبانيا_a58852.html